أروح لمين ياناصر
لم يكن الكاتب الكبير ابراهيم عيسي مخطئا
عندما قال عن عبد الناصر انه الرجل الذى لا يريد ان يموت ولم يكن الرئيس الاميركي
الاسبق ريتشارد نيكسون مخطئا ايضا عندما قال معلقا على سمعه نبأ وفاته : كان عدوا
ولكنه كان رجلاً.
وكذلك لم يكن شواين لأي رئيس وزراء الصين
مبالغاً عندما قال للسيد حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية الاسبق كان عندكم رجل
لم تحافظوا عليه .
اقول هذا الكلام وانا اتصفح بعضاً من ذكريات
بعيدا عن السياسة واخلاقها لأجدامامي ناصر المثقف المولع
بالثقافة والفن وانقل لكم ما وجدته عن هذا الرجل العظيم بمناسبة الاحتفال بمئوية ميلاده
.
فقد حدثت ازمة شهيرة بين الاغلبية الكاسحة من
ثوار يوليو وبعضاً قليلاً من الضباط بزعامة اللواء محمد نجيب وقتها والذى اي نجيب
صدق انه فعلا قائد ثوار يوليو، وبلغت الازمة ذروتها حتي كادت ان تعصف بالجميع ودخل
شهر مارس 1954م وقد لاحت فى الافق بوادر الانفراج بانفراد ناصر وازاحة نجيب .
ووقتها كانت الاذاعة هى المصدر الهام فى تلقى
اخبار هذة الازمة والتى كان يشرف عليها المرحوم عبد المنعم السباعي الذى لم يجد
حرجا فى اذاعة بيانات رئيس الوزراء ناصر وعكسها من رئيس الجمهورية نجيب ، ولما
انتهت الازمة لم ينس ناصر الموقف المحايد للشاعر الغنائي الكبير واصدر اوامره
بابعاده عن الاذاعة المصرية وما ادراك ما قيمة الاذاعة فى ذلك الزمان.
فاستجاب السباعى لقرار الرئيس ولزم بيته .
وحدث ان كان السباعي ضمن مجموعة الادباء
والمفكرين الذين اعتادوا الصالون الادبي
لكوكب الشرق وذات مساء وبينما تستعد ام كلثوم لحفل ذكري الثورة أن طلب منها
السباعي أن تسلم خطاباً منه إلي عبد الناصر حينما تلقاه بين وصلتي الغناء ، ولم
تشأ كوكب الشرق أن تسأله عن مضمون الرسالة ، وبالفعل وبينما هي وراء الكواليس
تستعد للوصلة الثانية إذا بعبد الناصر ومعه المشير عامر يدخلان عليها مصافحين
زعيمة فناني الثورة المباركة وبينما حديث الود يتواصل إذا بها تخرج من حقيبة يدها
المجاورة لها خطاب السباعي الذي وعدته بإيصاله للريس وبينما هو يقرأ الخطاب إذا
بعلامات الرضي والإبتسام تعلو وجهه فماذا كان في الرسالة ، هذا هو سؤال من حوله
الذين فاجأهم ناصر وهو يقول : السباعي بيعاتبني لكن كلام حلو وجميل وينفع يكون
مطلع اغنية مش كده ولا إيه يا ست أم كلثوم فردت في ادب : السباعي كاتب إيه يا ريس
فقال نقلاً عن المكتوب :-
أروح لمين وأقول يامين ينصفني منك
ما هو انت فرحي وانت جرحي وكله منك
ثم أشار إلي من حولة وقد علت الإبتسامة وجوه
الجميع واصدر فرمانة الناصري : يرجع السباعي إلي عمله علي شرط ، وهنا إنتظر الجميع
ما هو شرط ناصر أيكون إعتذار السباعي عن هذه الكلمات القاسية أم إعتذارة عن إذاعه
بيانات نجيب أم إعلانه التأييد المطلق للقائد التاريخي .
ولكن ذهبت كل التكهنات أدراج الرياح إذ اعلن
ناصر عن شرطه لعوده السباعي للعمل فقال بلهجه حاسمة قاطعة : أن يكمل هذه الكلمات
إلي قصيدة تغنيها السيده أم كلثوم
وهنا تنفست كوكب الشرق الصعداء فرحاً بعودة
صديقها إلي عمله ولكن ما هي تلك الكلمات التي ستشدوا بها لخطاب عتاب إلي ناصر .
وكانت سعاده السباعي بهذا الخبر لا تقدر بثمن
، حين أثبت أنه شاعر غنائي عظيم .
وقد شدت ام كلثوم قصيدتها الرائعة الخالدة (
أروح لمين) في الخامس عشر من يناير 1959م
.
رحم الله الجميع ورحم الله هذا الزمن الجميل
الذي كان يزخر برجال ونساء تعلمنا منهم معني الرجولة وعظيم الثقافة .